لو كنتُ أملك بوصلة | شعر

صحراء

 

بوصلة

رغم العتم الشديد الّذي كان يحيط بي،

هناك في رحم أمّي، إلّا أنّي وُلِدْتُ.

رغم طفولتي العرجاء،

والعثرات الكثيرة،

فها قدماي تحملانني الآن.

رغم اليأس والخذلان.

رغم الخيبات كلّها بأوجاعها الّتي عبرتْ،

بأوجاعها المقيمة أبدًا

وتلك الّتي لم تَصِلْ بعد،

غير أنّي ما زلتُ أُطمئن هواجسي

أنّ الشمال واضحٌ في البوصلة.

فقط، لو كنتُ أملك بوصلة.

 

 

حلم  

كان حلمي أن أُطعم الطير لحمي،

لكنّ الطائرات أشدّ من الطير جوعًا.

وكان، أن يثقب الحبّ صوتي،

لكنّ الرصاصة كانت أسرع من الحبّ.

كان حلمي أن تكون حضنًا آمنًا بلادي 

سَمِّهِ وطنًا إذا شئتَ، أو سَمِّهِ امرأةً،

شجرةً أو فراشةً، فأنا لا فرق عندي

ما دام الحلم ممكنًا هناك.

كان حلمي ألّا يقطع القاتل حبل سرّتي فأضيع.

لكنّنا ضعنا، بلادي للغريب خبزها

وللغريب أَمْسُها القريب، غدها القريب للغريب.

وأنا في غربتي ضائعٌ،

ليس لي غير حلمٍ

فهل يكفي؟

 

 

حيرة  

لم يعتقلْني أيّ شرطيٍّ

منذ آخر مرّةٍ كنتُ فيها سجينًا

رغم ذلك، لم أكنْ حرًّا كفاية.

 

لم أَمُتْ

منذ أن متُّ آخر مرّةٍ

إلّا أنّي لم أَكُنْ على قيد الحياة.

 

لم تشرّدني حربٌ

منذ صارت بلادي مجزرةً

لكن لم أجد وطنًا.

 

لم أغادرْ بيتي

منذ آخر مرّةٍ خرجتُ منه

غير أنّي لم أَعُدْ من منفاي بعد.

 

لم أُحِبَّ امرأةً ولا أهديتُها حلمًا

منذ أن مَلَكَ الفراغ ضفافي،

لماذا ما زلتُ عاشقًا إذن؟

 

 

نزيفٌ أخير  

تقتلني الصحراء هنا

وينهشني العطش، لم تنتهِ الحرب.

هنالك فسحةٌ في الظهر، لا تنزف،

وأخرى أسفل الخاصرة.

هاتوا صحاريكم واطعنوا

بالرمل كلّ احتمالات الحدائق.

لم تنتهِ الحرب،
خسرتُ عينيّ واسمي،
لهفتي، قدماي والطريق، كلّ أحلامي.
خسرتُ يدًا كنتُ سأحضنك بها.
لكن، بقي اليأس الّذي فِيّ، جميلًا ووحيدًا،
سأنقذه من الهزائم، علّنا ننجو معًا.

 


 

ياسر خنجر

 

 

شاعر وناشط سياسيّ من الجولان السوريّ المحتلّ، وعضو مؤسّس في مركز «فاتح المدرّس للفنون والثقافة». أمضى سبع سنوات في سجون الاحتلال، وأصدر عددًا من المجموعات الشعريّة؛ «طائر الحرّيّة»، «سؤال على حافّة القيامة»، «السحابة بظهرها المنحني»، «لا ينتصف الطريق».